عندما أحسست بمرارة كأسي نظرت للنادل الذي كان يحدق في عيني منذ جلست، حقيقة لم أعره إهتمام كبير لأن ما بداخلي لم يترك لي مجال للتركيز لكن ما فهمته من نظراته المشتاقة لشخص ما في زمن ما أن بي شبه من والدته..
- إن "هيام" تشبه الجزء الأنثى المختبئة في داخلي قلتها بعدما بادلته النظرات..
سألت نفسي كثيرا ترى هل الرملي كان من العرّافين كي يكتب رواية عما بداخلي ؟ أقصد لم يسبق لي أن شخّص أحدهم مشاعري في رواية فتراني أعيد هذه الرواية للمرة الثانية ثم أشرت إلى الكتاب المغلق أمامي كأنني أبحث عن تحليل لما بداخلي
قال وهو يبتسم رغما عنه أكملي..
- على ما يبدو أن محسن يهديها إلى كل الذين حُرِموا من حبهم بسبب الظروف ليس لي فقط
- يا صاحبة العيون الجميلة إننا في زمن يهمّش الحب لا تبحثي عنه في أرض مشبعة بالكارهين
- همهمت ثم ضحكت، نحن نبحث عن الحب في ظِل الحروب والحِصار والدكتاتورية والإحتلال والمغترَبات لكن القباني يقول "الحب في الأرض بعض من تخيلنا ... لو لم نجده عليها لاخترعناه" إن السياسيين والإسلاميين حاصروا أجسادنا واحتلوا أراضينا ودمروا كل جميل فيها لكن..
عم الصمت واختفت الفتاة ذات الشعر الأصفر والحاجبين الإصطناعين وطريدتها الرجل الأربعيني ماكر الملامح الظاهر أن مؤخرتها المصطنعة وملابسها الغريبة أثارت غريزته الحيوانية فذهب لمضاجعتها بعيدا عن هنا..
أكملت حديثي دون أن أعلق عن هذا القرف المنتشر مؤخرا بكثرة ورفعت الكأس عاليا
- هنا حيث يصعب علينا ويستحيل عليهم الوصول
- عذرا كيف ؟
- لا عليك..
انشغل في عيناي مجددا وٱستغربت حينها لما لم أستحي وأنزل رأسي كعادتي ثم إستدار وشغّل أغنية affection..
حينها تغيرت المعطيات، ثملت على ما أعتقد لكن ما أتذكره جيدا هو أنه دعاني للرقص والحانة لا يوجد بها غيرنا أما إبليس فكان هناك في زاوية غير مرئية يحتسي آخر قطرات النبيذ بعدما جف حلقه من حوار طويل مع الرب على ما أعتقد، لكن لا علينا حتى من إبليس يبحث عن الحب في زمن المومسات لكنه أقوى من البشر فهو لا يبوح بمخاوفه.. ألقى علينا التحية بعدما دعانا لأن نعلن عن شيء ما، أظن أن الرب فاز وإبليس أعلن إستسلامه لنرى إذن هل سيقيم الإسلاميين مجددا على أرضنا أم سيرحلون إلى المجهول ؟
أما عنه لم يستأذن ولم يفكر فيها حتى.. أقول هو لأنني أجهل من يكون لم أعرف حتى إسمه.
كانت أروع ما كان سيكون واعترف أنها ليست الأولى بل هي حقيقية محسوسة ليست كسابقها من القبل التي كنت أبحث في محيطها عن برّ الأمان وبقيت جامدة هناك مع الوقت الذي لم يتقدم ثانية من حينها.. حتى هذه اللحظة.
كانت أنامله محيطة بخصري ولازال يحدق في عيني حتى أشع ضوء من باب الحانة الخارجي للحظة ظننت أنني أشهد على تحقق خرافة الخلل بين الليل والنهار وكسر قوانين الطبيعة كدت أن أذهب إلى إبليس وأطلب منه تفسير لهذه الظاهرة حتى أحسست شفاهه على أذني بلطف
لا تفزعي إنه المهدي..
تقدم نحوي ذاك الضوء ببطء تمكنت جسدي حرارة غير معتادة ورعشة لذيذة خيل لي في لحظة أنني على فراشه وهو يقيم على جسدي طقوس الحب كما علمت للذين من قبلنا
قال المهدي..
- أنا منتظر منذ عقود لكنني جئت لمن هم ليسوا في انتظاري إنها الأخيرة يا جميلة إنها الأخيرة يا صبي هذه الساعات من حياتكما ليست مسطرة ولا مكتوبة عليكم إنما هو الخمر قد شاء وفعل وفي هذه اللحظة أقصد بعدما نغادركم أنا وذاك البائس المثمول هناك ستكون دقائق خالية من كل مصاعب الدنيا فٱستغلوها كما ينبغي لم أفهم حقا ما يحدث لكن لم يلبث طويلا حتى أطلت امرأة ثلاثينية من باب الحانة لكني أستغرب من وجودها في هذه الساعة هنا تحديدا إنها جميلة رغم الأوساخ التي على ملابسها المهترئة والزفت الأسود الذي يغطي يدها وجزء من وجهها، عجزت هذه الأخيرة عن إخفاء جمالها عكس تلك الزانية التي كانت منذ ساعات رغم مساحيقها وعمليات التجميل المكلفة إلاّ أن الجمال هبة من الله لا داعي لمحاولة تزييف الحقائق..
تقدمت نحوي وإياه ثم قالت أكاد أموت عطشا يا أحبتي هل لكم أن تسقونني ؟ هرول نحو الثلاجة كي يمدها بالماء أخذته ولم تشرب منه إلا القليل فسألتها عن السبب قالت
- أنتم منحتموني قليلا من الأعراف والتقاليد وأنا في غنى عنها أنا يا بنيتي في حاجة للحب إسقوني ماء الحياة يا شباب فالله قد نادى بالحب كي تتماسك البشرية وتكتمل سيرورة الكون خرجت بعدما تركته في حيرة..
- إنها تونس
- كيف ؟
- تلك تونس !
قال المهدي أن تراب الأرض جاف افترشوا تراب الوطن وأقيموا حدودكم فيه إنه لكم..
ربّت على كتفي وقال دم حبك هو ماء الحياة وتونس ظمآنة أدعي أمثالك من محبي الحياة لصلوات الحب ونظر إليه وقال كونوا أنت وأمثالك من يصلون بهم لكن لا تنسوا فقط على أرض الوطن.. أوصيك بها خيرا الحب ثم الوطن ثم لا شيء ودّعنا المهدي ثم أخذ إبليس ورحلوا.
أما نحن.. فذهبنا لإقامة صلوات الحب نزولا عند رغبة الوطن وتلبية لنداء قلوبنا التي كادت أن تصدأ من كثرة مكوثها جامدة.
استيقظت على نداء أمي وهي تقول حرفيا (قوم عيش بنتي النهار راح)
أجبتها شكرا كنت سأكسر الوصية
قالت وهي مستغربة عن أي وصية تتحدثين !
- عن وصية المهدي والوطن سأذهب دعواتك أمي..
- إلى أين ؟
- إلى الصلاة
Unknown