كان ممل لدرجة العذاب..
ولم أكن أهتم لقصصه الحزينة بقدر ما كنت أنتظر غروبه عن وجهي كل مرة يخرج فيها للعمل أو للقاء شخص ما.
تفاصيله تدفعني للغثيان وكل ما فيه يشعرني بالقرافة..
في كل ليلة كان يضاجعني ويتزبد فوق جسدي المرهق كنت أحس بملاك الموت يراقبني من بعيد بسخرية وكأنه يقول أن الأقدار تنتقم منك، أنت من تخليتي عن كل ماهو إنساني بداخلك لتتبعي شهواتك وها أنت الآن على فراشه كغزالة فوق مائدة إعرابي..
عيونه الناعسة تستفزني لدرجة الموت لم أعد أطيق تواجده على فراشي ولا في حياتي أساسا، كلامه المستفز يقتلني، أقصد أنه كان رومنسي ولا يطاق، أذكر أنني كنت كافرة بكل التخاريف الدينية حينها لكن للحظة أيقنت معنى عذاب جهنم.. ترى هل إلاه السماء كان يعلم بمعنى هذا الشيء؟ أقصد أن أتزوج بكائن ممل ويفوقني بعشرين سنة..
عموما لم أعد أكترث، كل ما أتذكره هو أننا خرجنا في نزهة وهناك أطلقت النار عليه بمسدس ديونيسوس الذي لطالما حملته معي وقلت أنه لجدي أحمله معي تذكار..
تركته يتخبط في دمائه ورحلت بعدما حملت هاتفه معي لألقي به في قمامة منزله القديم.. هناك حيث كان يرمي حاجياته المنتهية الصلاحية قبل أن ننتقل إلى منزلنا الجديد في فلورنسا..
أظن أن تلك هي النهاية المناسبة لرجل أربعيني ساذج وثري..
في الأثناء عدت أدراجي إلى منزلي هناك حيث قمت بالتخلي عن كل حاجياته حتى ساعاته وبدلاته الفخمة، حتى صورنا معا لم أترك شيء يخصه فقط أثار قبلاته على جسدي العليل من الليلة الفارطة..
لكنه انتحر حين عرف أنني غادرت البلدة مع زوجي الثري وكان واثقا أني لن أعود مجددا..
وعدته أن أعود لكني تأخرت على ما أعتقد..
قريتنا الميتة كانت بداية حياة هناك ولدت وولد حبنا أول ليلة حمراء وأول قبلة.. هناك حيث عشنا فقراء وسعداء، هناك حيث كنا بشر قبل أن تطغى المادة وقبل أن ألتقي برفيقتي أيام المدرسة.. رفيقتي التي تقاسمنا الخبز اليابس والجبن معا حتى تزوجت من كوهين التاجر اليهودي القاطن في القرية المجاورة وانتقلت معه هناك.. كنت أشعر بالغيرة أحيانا من فساتينها الفخمة ومن سيارة زوجها الجميلة.
حينها لم أعد أكترث لحب ديونيسوس وكل ما بحثت عنه هو رجل ثري كي يخرجني من هذا الفقر والمجاعة التي ستغزو قريتنا قريبا..
لم أعلم حينها أنني سأفقد إنسانيتي كليا وأتحول إلى جسد بلا روح..
أنا الآن على يقين بتعاسة هذا العالم والسبب هو أننا فقراء المشاعر..
نحن لا نعلم ما الحب وإن وجدناه رميناه جانبا بحثا عن القرافة أو ما يدعى المال.
لكم هو مؤلم حالي وأنا أقف في المنتصف بين رجلان واحد أحبني والآخر أحبني بشدة وأنا الآن كغراب المقابر أقف في المنتصف.. في منتصف كل شيء لا أنا ميتة كي أنسى ولا أنا على قيد الحياة كي أموت.. أنا لا شيء فعل.. جثة هامدة في المنتصف.
أنا مجموعة المتناهيات المضللة وأنا عصارة في كأس خمر غير قابل للاستهلاك، أنا نقطة فاصلة بين كلية مترفة وعدمية مدقعة.. أنا فكرة لم يحن موعد تدوينها في دفتر بعد ولم يجرؤ صاحبها على البوح بها أمام العامة، أنا سوء الفهم الذي لن يزول إلا بشجار معقد، أنا تلك التائهة في غياب الجهل من الأزل إلى الأزل دونما رجعة ودونما عقاب، أنا كائن ميت على عتبة الحياة وحي على عتبة الموت.
Unknown